لا أدري اين أو متي بدات قصتي بالتحديد فقد كنت شابا يافعا في منتصف العشرين من عمري لا أدري اين أتجه أو حتي أين يكـون مكاني ، كنــت أسكـن
 في إحدي  ضواحي مدينة باريس تلك المدينة العريـقة ، يالها من ذكريات حين كنت فيها ، وفي إحدي الابراج الناطحة للسحاب كنــت اعيـش مـع اسرة تتكون من أربعة أفراد وأنا . هؤلاء هم أبـي وأمـي واختـي الصــغيرة (جنــي) وأختــي الاكبر مني سنا (كاميليا) كانت أختي الصغيرة طيبة القلب حنونة وعطــوفة مع كل الناس أما الكبري فقد كانت جادة في كل شيء ، لم أكــن اجلــس معهم كثيرا بسبب دراستي الدائمة أو رحلاتي مــع اصدقائــي .......نعم آآه كدت انسي هنالك (محـمــود) أعز أصدقائي بالإضــافة إلي( رامــز) ، كان كلا منـهما لا يفارقني سواء في دراستي أو في حياتي العملية ، وجاء اليوم الذي أعلن فيه لأهلي نتيجة نهاية مكافحتي في الدراسة " لقد أخذت ممتاز" قلتها بملء فمي وبكل فخر ففرح أبي وأمي وأختاي وحتي أصدقائي وكنت أتمني أن أعمل مهندســا معماريا هذا حلم حياتي منذ كنت في الخامسة من عمري وها انا الآن تتهافت علي الشركات لكي أرضي بالقبول والعمل عند احدي هذه الشركات ولكني كنت بالتحديد أريد العمل في شركة "ليونيس فيل" هذه هي كبـري الشركــات العالميـــة لخريجــي الهندسة المعمارية بمرتبة الامتياز ويا للأســـف فإن لهــا فقط عشــرة أفرع في العالم منها لندن والبلجيك وأمريكا وبعض الدول الأخري التـي لا أذكرها ولكن عندما تحدثت مع رئيس الجامعة وشاورته في الموضوع نصــحني بالسفر إلي لندن ، نعم أظن أن هذه هي نقطة التغير في حياتي بل من هنا بدأت حيــاتي ومن هنا بدأت قصتي ، فعندما نصحنـي ذلك الرجـــل بالسفر ذهبت لمــشاورة أهلي ففرحوا بذلـــك ولكن كان بداخلـــهم حـــزن دفين لفراقي إياهم بعد ثلاثة اسابيع ومــــرت الأيام وانقضت الأسابيع الثلاثة بسرعة وها هي الآن الساعة الرابعة حان مــوعد السفـــر إلي مستقبل أفضل وحياة راقية جدا وكنت قد ودعت أهلي ورفاقي بشيء من الحــزن ، لكن ماروًّح عنـــي قليــلا أن ماقاله لي ذلك الرجل - رئيس الجامعة – أن الشــركة قد حــجـــزت لي شقة متكـــونة من ثلاث غرف وصالون وحــمامــان وبالطبـــع فيها مطبخ وستكون حياتي هناك من اروع ما يمكن وصفه ، ولكنني عندما وصلـــت إلي لنــــدن جعلت أسبـح بأفكاري كيف ستكون وظيفتي الجديدة وكيف سيـكون مسكني . وعندما وصلـــت إلي العنوان المُ عطي لي في الورقة لم أكد أصــدق عينيّ فهذا منزل متكون من طابقين وهو متهالك جدا يكاد يقع علي بعضه ولـــكني قبلت بالـــحال ورضيـت وذهبت إلي الطابق الأول لأقرع الجرس ولكن لم يجبني أحد ثم سمعت أحدا يــقول لي مــن وراء الباب "إن كنت أنت من ستعمل في الوظيفة الجــديدة فمن الأجـــدر لك أن ترحل" قيل هذا بصوت فظيع وكأن من كان يقوله رجل تعدي المــائة من عمره وسمعت صوتا اعرفه أتي من ورائي يقول لي " يا (جاسر) لقد طال غيابك ، أين تسكن ؟" فالتفتّ إلي الصوت فوجدت ابن عمي الذي يصغرني بثــلاث سنـوات أنا لم اره منذ كنـت في الثامنـــة عشر ، لأن أهله رحلوا بســبب عمــل والده في الشركة نفسها ، ورحــت أسألـــه عن حاله وعن حال أبيه وأهله وعن عمل أبيه فوجدته مسرورا حين لاقيته بابتـــسـامة ولكنه حزن فجأة عندما سألته عن حال أبيـــه وعـــن عـــمــل أبــيــه فقـــد قـــال لي أن الشــركة منذ عامين أخذت في الإنهيار اقتصاديا ولكنهم لم يبوحوا بذلك لأي أحد لأن مــن أصبـح مديرا عليها هو رجل متسلط لا يريد شيئا سوي جمع المال وأصبح كل هذا أصبـح عبئا علي العمال والموظفين الذين يعملون بالشركة وأخبرني أيضا بأنه لم ير أبــيه مــنـذ أسبوع فتغيرت ملامح وجهه أثناء حديثه وقال "أخشي أن قد أصابــه مكروه" ثم ابتسمتُ ابتسامة خفيفة وقلت له "لا تقلق إنه بخــيـر ان شاء الله فأنا ســأعمل في نفس الشركة التي يعمل فيها وأنا آمل ألا تكون كــما تــقول ، فما قد قيل لي عنها يُخيِّل لي بأنك تبالغ في قولك ....."ثم سكت برهة وقال في ابتــسـامـــة مـزيلاً بها حزنه "دعني آخذك إلي بيتي فلابد من أنك متعب وتريد أن ترتاح" فقلـــت له "لا شكرا فأنا اسكن في الطابق الثاني من هذا المنزل" فتعجـب وقال "أنا اســكن في نفس المنزل ولكن في الطابق الاول" ففـرحــت حينئــذٍ ثم توقــفــته سائــلا "هل عندكم احد من المسنين ؟؟" فــقــال لي "لمـــاذا ؟، هل ضايقك أحدهم ؟"فقلت "لا ولكنني حين قرعت جرس الباب ســـمعت صوتا يقول لــي ...." ثم أعــدت عليه العبارة التي سمعتها فقال لي "لا تهتم لها انها امرأة مسنة جــاءت لتسكــن معنا" وفي اليوم التالي وبعد ترحيب حار تلقيته ، ذهبت إلي أول يوم لي في وظيفتي و كنت أرتدي ملابس أنيقة وكانت ابتسامت واسعة وبالفعل ذهبــت إلـي العــمــل ووجدت عمي هنا فسلمت عليه وسألني غن كنت أعرف أي شيء عن أسرتــــه فطمأنته وقلت له " لا تقلق فإنهم بخير ويبلغون إليك السلام" فارتــاحت ملامحه ثم عرفني إلي زملائه وكل من في الشركة تقريبا باستثناء المديـر ، نــسيــت أن اقول بأنني شخص مضطرب جدا وهذا ما جعلني أتردد في بــادئ الأمر ، فبعد أن تعرفت علي الموظفين ذهبت غلي المدير المتسلط -كما ادعي ابـــن عــمـي-  لأحييه ولأعلمه أنني وصلت فعندما وصلت إلي مكتب المدير وجــدت رجـــلا متهالكا ذا نظارة كبيرة وأعين ضيقة ينظر إلي بنظرة حادة فارتبكــت ودخــلت المــكتب بعد أن طــرقت الباب مرتــيــن وسـألت ذلك الرجل ذو النظرة الحادة "أتعرف أين هو المدير؟"فرد عليّ "ماذا تريد منه ؟"  فقلت له عن قصتي وعندما فرغت من كلامي وجدته يقول "آآآه سنستقبل اليــوم متـاعب أخري" لم أدر ماذا كان يقصد بكلامه ولم أبد له اهتماما بل رحت أسأله مرة أخـري فقال لي "أنا هو مدير هذه الشركة ولا أنصحك بأن تبقي واقفا إذا أردت الإستـمرار في وظيفتك فالتحديق لن يفيدك في شيء"فذهبت لأعمل وأنا مذهول مما ســمـعتـه ، ومرّت الايام وانتقلت عائلة عمي إلي باريس بعد أن استقال عمي من عمــله وأصبحت في المنزل وحيدا لا يوجد في المنزل سواي أنا وتلك المرأة المسنة ، وقيــل لــي أنها ساحرة  فقد كنت أسمع كل يوم أصواتا غريبة تأتي من عندها وعندما أنـزل لأري ماذا هناك لا أجد أحدا وشيئا فشيئا بدأ الرعب يدب في أنفاسي وتم طردي من العمل أنا وحوالي عشرون آخرون من زملائي لأسباب غيــر مفــهومة مع أننا لم نرتكب خطأ واحد في عملنا . الآن فقط أدركــت ماكان يقولــه لي في ذلك اليوم وما قالته لي تلك المرأة العجوز في الحــقيقة أنا لم أرها ولكن خيّل إليّ أنها تشبه مدير تلك الشركة ، وبالفعل اتضحت شكوكي إذ أن ذلـــك المدير هو نفسه تلك المرأة الساحرة فقد كان يطرد كل من يأتي إلـيه بعــد ايام من الـعــمــل فــي الشركة حتي يخلو إلي اسحاره وألاعيبه السوداء وفـي الحقـــيـقــة لم أكن أؤمن بالسحر جدا ولكن انا اعتقد أنها تخاريف . مـــرّت تلك الليلــة مظلــمــة و أنرت التلفاز ورحت في نوم عميق بعد أن انـهارت جــمــيــع أحلامــي فقد علــمـــت طردي في نفس اليوم الذي علمت فيه حـــقـيــقــة ذلك الرجل الشرير الذي كان يستخدم سحره ليضرّ به كل من كان حوله وغطت فــي نوم عميق وفي الصباح التالي شعرت بشخص يوقظني ويقول لي "هيا ستتأخر عـن المدرسة..." ففركت عينيّ وصحوت من نومي ووجدت نفسي علي سريري الــبسـيط في منزلي في باريس وعـمري لا يزال عشرة سنــوات ................. .